الشخصية الانتحارية The suicidal Personality أ.د.ناهض موسى طلفاح

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } النساء: 29
الانتحار واحد من كبائر الذنوب ، وفاعلها متوعد بالخلود في نار جهنم أبداً ، ويعذبه الله تعالى بالوسيلة التي انتحر بها ، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر ، عقوبةً له ، وزجراً لغيره أن يفعل فعله، كما ينظر الى الانتحار على انه خطيئة في معظم الديانات السماوية.
وأفتى الأزهر بحرمة إزهاق الأرواح، موضحًا أن الإسلام وفقا للقاعدة الشرعية العامة حرم الانتحار تحريمًا قطعيًا لأي سبب كان، وأنه ليس من حق الإنسان أن يزهق روحه كتعبير عن ضيق أو احتجاج أو غضب، يأتي ذلك بعد تعدد محاولات الانتحار حرقا في مصر والجزائر وموريتانيا، على طريقة الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه مفجرًا احتجاجات شعبية عارمة في أنحاء تونس أدت إلى الإطاحة بحكم الرئيس زين العابدين بن علي.
والانتحار بالإنجليزية (Suicide) يرجع الى أصل الكلمة اللاتينية suicidium ، وتعني : (يقتل نفسه) .
والانتحار قرار ذاتي يتخذه شخص من اجل إنهاء حياته او لرغبه في تدمير ذاته
و إلحاق الأذى بها وهو نوع من العقاب او الانتقام من الذات وهو بذلك قمة الإحساس باليأس وفقدان الأمل...
ويشترك الإنسان وبعض الكائنات الحية الأخرى في هذا السلوك .. فمثلاً تقدم العقرب على قتل نفسها بنفسها بواسطة اللدغ عندما تجد أنها محاصرة بدائرة من النار ولا تستطيع الخروج من هذه الدائرة ..وهو سلوك تمارسه بعض الحيتان للخلاص من الحياة ربما لتأثرها بالسموم الكيميائية او البيولوجية التي انتشرت في البحر او لمرضها حيث يفقد الحوت المريض القدرة على معرفة الاتجاهات او يظل الطريق أثناء الهجرة السنوية وهو انتحار جماعي تمارسه في موسم معين ..
كما ان هناك انتحار النسور في شيخوختها...
ويضرب مفهوم انتحار الحيوانات جذورا في القدم بما يشبه قدم الفلسفة ذاتها، حيث اخبر الفيلسوف أرسطو عن قصة حصان أقدم على رمي نفسه في واد سحيق بعد أن اكتشف أنه وقع في الخديعة ومارس الجنس مع أمه، وتلك قصة ناقشها العلماء في عصر الملكة فيكتوريا مطولا.
وهناك الانتحار الجماعي لبنو الإنسان أيضا عندما تقدم منظمة او جماعة على تنفيذه بإرادتها كما في حادثة جونز تاون التي تعد أكبر حادثة انتحار جماعي في التاريخ الحديث و نتج عنها اكبر عدد قتلى من الأميركيين في كارثة غير طبيعية قبل أحداث 11 سبتمبر2001 وذلك في 18 نوفمبر 1978 عندما جمّع جيم جونز أتباعه في قريه صغيّره في غويانا في أمريكا الجنوبية وأقنعهم أن يشربوا مادة السيانيد السامه الممزوجة بعصير العنب مدعياً ان ذلك انتحار ثوري وقامت القيادات الخاصة بالجماعة بحقن الأطفال الصغار بمادة السيانيد وأسفر عن مقتل 913 شخص من مجموع أعضاء المعبد.
وعن لعنة العراق كشفت دراسة استمرت خمسة أشهر إرتفاعا ملحوظا في محاولات الانتحار بصفوف الجنود الامريكان العائدين من ساحات القتال بالعراق أطلق عليها اسم ” فيروس الانتحار” مشيرة الى أن 6200 جندي ومجندة أمريكية وضعوا حداً لحياتهم عام 2005, بعد عودتهم من ساحات القتال في العراق وأفغانستان حيث عانى غالبيتهم من أمراض نفسية جراء مناظر الحرب وويلاتها”.
فيما نشرت صحيفة الجارديان البريطانية إحصائيات تفصيلية عن معدلات انتحار الجنود الأمريكان خلال العام 2012، التي سجلت 349 منتحرا.
اما وكالة (أسوشيتد برس) فقد ذكرت ان متوسط الانتحار بالجيش الصهيوني سنويا بلغ 22 جنديا خلال السنوات العشر الماضية
وتختلف أسباب الانتحار من مجتمع لآخر , كما تختلف بين الجنسين , وهي لا تتشابه أبداً, وبالتالي فان لكل حال خصوصيتها وأسبابها و في أغلب حالتها تكون بين الشباب في أعمار بين 17- 35سنة وتعود لأسباب اقتصادية او اجتماعية او عاطفية الا انها على الاعم الاغلب تعود لفشل الدفاعات النفسية عند الانسان فتولد عنده فكرة الانتحار..
فالأمراض النفسية , كالاكتئاب والوسواس القهري والهستيريا والصرع والقلق النفسي, وغيرها من الأمراض تدفع بصاحبها إلى التخلص من معاناة الحياة اثر عدم تحمله للضغوطات وشعوره بعدم جدوى الحياة وبخاصة عند مرضى الاكتئاب ، إذ أثبتت الدراسات ان 60% من مرضى الاكتئاب تنتهي حياتهم بالانتحار
ويعد الانتحار من الأمراض التي تحظى بالأولوية في برنامج منظمة الصحة العالمية للعمل على رأب الفجوة في الصحة النفسية والذي تم إطلاقه في عام 2008
، اذ تؤكد المنظمة ان مليون شخص ينتحرون سنويا، و أن كل محاولة ناجحة للانتحار تسبقها 20 محاولة فاشلة بحسب المنظمة العالمية وقد توقعت ارتفاع معدلات الانتحار بحلول 2020 بنسبة 50%، لتصل أعداد المنتحرين إلى مليون ونصف المليون سنوياً..مشيرة الى التزايد المضطرد لتلك الأعداد مع السنين...
وتؤكد الدراسات العلمية على أن للتعاليم الدينية دور كبير في خفض نسبة الانتحار، وأن هذه التعاليم أقوى ما يمكن في الإسلام ! لتدحض إدعاء الملحدين أن الإسلام دين يأمر بالانتحار!!! ففي دراسة قام بها جوس مانويل و فليشمان وهي دراسة علمية شاملة استندوا إلى مراجع الأمم المتحدة ،بينت بما لايقبل الشك أن أعلى نسبة للانتحار كانت بين الملحدين، ثم البوذيين ثم المسيحيين ثم الهندوس وأخيراً المسلمين الذين كانت نسبة الانتحار بينهم تقترب من الصفر ودراسة ثانية منشورة على مجلة طب النفس وتصدر في أمريكا، أثبتت ايضا وجود تأثير قوي للتعاليم الدينية على الحد من ظاهرة الانتحار، وأثبتت كذلك أن الزواج له تأثير قوي في علاج الانتحار وكذلك إنجاب الأطفال وكذلك السعادة والاستقرار والعلاقات الاجتماعية الجيدة. 
وختمت الدراسة بتوصية: إن الثقافة الدينية هي علاج مناسب لظاهرة الانتحار...

وعلى الرغم من ان معظم المنتحرين أو الأشخاص الذين يحاولون الانتحار هم مضطربون نفسياً او يعانون من خلل في التفكير أو اضطراب وظائف الدماغ الا ان أسوء حالات الانتحار على الإطلاق تلك التي تجعل المنتحر يتخذ من نفسه قنبلة بشرية تفتك او تقتل الناس الأبرياء من دون مسوغ أخلاقي او قانوني او شرعي ...متأثرين بأفكار وضلالات وتطرف أعمى ، معتمدين تصريحات وتوصيات بعض رجال الدين المتعصبين والدعاة والكتاب المتشددين وقد تطورت الحركات الإسلامية الأصولية عمومًا والقاعدة خصوصًا خلال فترة مايسمى بالصحوة الإسلامية في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين ولعلنا نذكر في هذا الصدد ما قاله سيد قطب : إنه بسبب عدم تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي، فإنه لم يعد إسلاميًا، وعاد إلى الجاهلية ، ولكي يعود الإسلام، فالمسلمون بحاجة لإقامة "دولة إسلامية حقيقية" مع تطبيق الشريعة الإسلامية، وتخليص العالم الإسلامي من أي تأثيرات لغير المسلمين، مثل مفاهيم الاشتراكية أو القومية. ، وقد كشف تقرير جديد صادر عن المركز الدولي لمحاربة الإرهاب في (لاهاي) : أن داعش عمد إلى "صناعة الانتحار" من خلال القيام بعدد "غير مسبوق" من العمليات الانتحارية في تاريخ التنظيمات المتشددة ،وخلص التقرير إلى أن غالبيتها الكبرى نفذت في العراق وسوريا، مشيرا إلى أن نسبة المقاتلين الأجانب الذين قاموا بعمليات انتحارية بلغت %20، فيما بلغت نسبة العرب%74 
وأدرج التقرير النسبة الباقية في خانة "غير معلومين"، وهم انتحاريون لم يستطع المركز تحديد جنسياتهم.. وبحسب تقرير المركز، استخدم داعش أشخاص بأحزمة ناسفه اوبسيارات أو آليات بنسبة 70% من العمليات الانتحارية وكان نصيب  العراق منها 62% من العمليات الانتحارية، وبلغت التفجيرات في سوريا نسبة 24% ، وفي ليبيا3 % ، ثم اليمن بنسبة 1,7%، يليها بلدان أخرى منها بنغلادش ومصر ونيجيريا..   
   هذا وتشير الحقائق التي تم جمعها عن احوال انتحاري الأعمال الارهابية الكثير من اسئلة الاستفهام حول الدوافع النفسية والمادية التي تدفعهم الى النفوق بهذا الشكل الذي يلحق الاذى بأنفسهم اولا، والكثير من الابرياء الذين لا ذنب لهم سوى ان القدر وضعهم في طريق اعمالهم الوحشية ثانيا ، وهو مايفسر في الجانب النفسي السايكولوجي ان غريزة العدوان عند أولئك متقدمة جدا كون العدوان هو قاعدة السلوك الاجرامي والشخص منهم عندما لايجد ضحية لتوجيه العدوان نحوه يلجأ الى توجيه العدوان نحو ذاته او ممارسة الاثنان معا كما يفعل انتحاريو الارهاب ، فيما يعلل آخرون الدوافع الى ثلاثة اسباب أخرى الاولى منها هي الاوضاع الاقتصادية، والثانية سبب مركب يتمثل في الجهل مع تغلغل الفكر المتطرف بين اوساط الفتيان والمراهقين في المجتمعات الاسلامية، فيما يقف التسلط وكبت الحريات التي تمارسه بعض الانظمة الديكتاتورية سببا مضافا الى تلك الاسباب. وعن مشاركة النساء في العمليات  الانتحارية على الرغم من كونه  أمرا مثيرا للدهشة، والاشمئزاز فغالبا ما تستخدمه التنظيمات الارهابية  للفت عناية الاهتمام العام، او الرأي العام، أو لزيادة الهلع ولأغراض تكتيكية ودعائية، وهي غالبا ما تكون لأسباب شخصية، او لإغوائهن او لتبرير أعمال مثل الانتقام لموت قريب او إنكارا لقدرتهن على محاكمة الأمور بعقلانية" ودليلا على أن "قتل الذات بقتل الآخرين يمس بالطابوهات حينما يخص الأمر امرأة" ،أما الدوافع السياسية والالتزام بقضية فلا يتم ذكرها بشكل كبير هنا كون مبرراتها تكاد ان تكون ضعيفه الى حد ما.
 وبين هذا وذاك وجد التنظيم المشبوه ادواته مستساغه لتحقيق مآربه في استهداف الدول والمجتمعات دون تفريق...
والتساؤل الذي يقلقني ويؤرقني  !! ما هي الأسباب التي دفعت الانتحاري كإنسان للانتحار؟؟؟ 
هل دارت عليك دائرة السوء والضيق وحوطت بدائرة من نار كي تقتل نفسك كما تفعل  العقارب بنفسها، أم أنك تعبت وأظللت الطريق كما حصل للحيتان في وسط البحر، أم حصل لك ما حصل لحصان أرسطو... وهل ان في زمن الرسول الأعظم (ص) او في زمن الخلفاء الراشدين (رض) وزمن الأولياء الصالحين و آل البيت و السلف الصالح كان أسلوب الانتقام والقتل للكفار والمشركين او الذين يخالفون دينهم ، فما هو ذنب عامة الناس الذين ليس لهم ناقة ولا جمل بالسياسة او بأفكارك التي تحملها كي تفجر أشلاءهم ب (بسم الله والله أكبر) حتى سئم الناس الآخرون من ديننا الحنيف ورثوه بدين العنف والقتل والذبح.. أوما سمعت أو قرأت يافطة كبيرة علقت حتى في أروقة الأمم المتحدة في العام 2002  للخليفة الرابع الامام علي (كرم الله وجهه) مكتوبة باللغة الانكليزية مع تقرير من مائة وستون صفحة تقول :
"الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق" 
People are of two types, Either your brother in religion or    your Equal in Creation                                                                           
فمتى تعوا.. او ترعووا هداكم الله.. 
وأخيرا  ان الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.